بقلم: فريق الدبي للحكاية
مقدمة الحكاية: حين يصبح البحر شاهدًا على الوعود
في مدينة ساحلية صغيرة، كانت الأمواج تحفظ أسرار العشاق منذ أجيال. وعلى شاطئٍ مهجورٍ إلا من طيور النورس وصوت الموج، جلست "ريما" كل مساء تنتظر. كان الانتظار عندها طقسًا مقدسًا، كأنها تصلّي للحب أن يعود من سفرٍ طال أكثر مما وعد.
قصتنا اليوم بعنوان "على شاطئ الانتظار"، وهي قصة رومانسية عن الوفاء والأمل والحب الذي يتحدى الغياب. تحكي عن فتاة تنتظر حبيبها الذي وعدها بالعودة ذات مساء، فصار البحر شاهدًا على وفائها وصبرها.
اللقاء الأول: وعد بين الموج والريح
كانت "ريما" تعمل في مقهى صغير يطل على البحر، تقدم القهوة للبحارة والسياح الذين يمرون كل موسم. وفي أحد الأيام، دخل شابٌّ يُدعى "سليم" يرتدي معطفًا أزرق ورائحة البحر تلتصق به. جلس قرب النافذة، طلب فنجان قهوة وقال بابتسامة: "القهوة عند البحر طعمها يشبه الحنين".
ضحكت وقالت: "وربما لأن البحر يُعيد إلينا من نحب... أو يبتلعهم بصمت".
من تلك الجملة الصغيرة، بدأ خيط الحب يمتد بينهما. صار "سليم" يأتي كل يوم، يجلس في المكان ذاته، ويحكي لها عن المدن التي سيزورها بالسفينة القادمة. وفي مساءٍ غائم، قال لها:
"حين أعود من رحلتي القادمة، سأحملكِ معي إلى البحر الآخر... لكن انتظريني هنا على هذا الشاطئ."
أومأت له بابتسامة خجولة، ولم تعلم أن تلك الجملة ستتحول إلى قدرٍ طويل من الانتظار.
رحلة الغياب: البحر لا يعيد كل السفن
غادر "سليم" في فجرٍ هادئ، وكانت "ريما" تراقب السفينة تبتعد حتى غابت عن الأفق. منذ ذلك اليوم، لم تغب عن الميناء. كانت تأتي كل مساء تجلس على مقعدها الخشبي وتنتظر. الناس في المدينة اعتادوا رؤيتها، يحيّونها بصمت ويعرفون أنها تنتظر وعدًا لم يتحقق بعد.
في البداية، كانت تكتب له الرسائل وتلقيها في البحر. كانت تقول:
"يا بحر، إن صادفتَ سليمًا، فقل له إنني ما زلت هنا، كما وعدته، أنتظر... كما أنت تنتظر عودة المدّ بعد الجزر."
لكن البحر، رغم حنوه، لم يرد يومًا.
سنوات الانتظار: حين يتحول الوقت إلى صديق
مرت الشهور، ثم الأعوام. تغيرت ملامح المدينة، لكن "ريما" لم تتغير. كانت تأتي كل يوم في التوقيت نفسه، تضع كتابًا صغيرًا بجانبها، وفنجان قهوة لم يبرُد إلا حين تغيب الشمس.
أصبح الشاطئ مرآة لقلبها؛ هادئًا في الصباح، هائجًا في الليل. كانت تسمع صوته في صوت الموج، وتشعر بأنفاسه في نسمات المساء. كل لحظة كانت تعيشها كأنها وعد يتجدّد.
الناس بدؤوا يسمّونها "عروس البحر المنتظرة"، والبحارة يقولون إنهم يرون ظلًّا يقف بجانبها عند المغيب. لم تكن تدري إن كان خيالها أم روح "سليم" عادت إليها قبل جسده.
رسالة في الزجاجة: صوت من الأعماق
في صباحٍ عاصف، بعد سنوات طويلة، وبينما كانت تجمع الأصداف من الشاطئ، اصطدمت قدماها بزجاجة عتيقة. رفعتها بيدين مرتجفتين، فتحتها، فوجدت بداخلها ورقة قديمة بلون البحر. كانت الرسالة مكتوبة بخطٍ تعرفه جيدًا:
"ريما... إن لم أعد، فاعلمي أن البحر حملني بعيدًا، لكنه لم يستطع أن يغرق حبّي لك. ستجدين الوردة التي أهديتكِ يوم الرحيل مزروعة في قلبي، ولكل موجةٍ تعود إلى الشاطئ، هناك سلامٌ مني إليك."
بكت طويلاً، لكن دموعها هذه المرة لم تكن للحزن فقط، بل للراحة والسكينة. شعرت وكأن روحه أخيرًا عادت لتودعها.
عودة النور: انتظار لم يذهب سدى
مرت أيام بعد تلك الرسالة، لكن ريما لم تتوقف عن القدوم إلى البحر. قالت لنفسها: "إن لم يعد بجسده، فقد عاد بصوته، بروحه، بسلامه."
وذات غروب، بينما كانت تنظر إلى الأفق، رأت قاربًا صغيرًا يقترب من بعيد. وقف عليه شابٌّ يرتدي سترة بحرية ويحمل بين يديه وردة بيضاء. حين اقترب منها، قال بابتسامة:
"أنا يوسف، ابن سليم... جئت أبحث عن المرأة التي كان أبي يذكرها في رسائله حتى آخر أنفاسه."
ارتجف قلبها، وشعرت أن الزمن دار دورة كاملة ليعيد إليها السلام الذي وعدها به البحر.
جلست معه لساعات تروي له الحكاية من بدايتها، وكان البحر يستمع كما لو أنه يعرف كل التفاصيل. وفي نهاية اليوم، تركت له الوردة التي ذبلت منذ زمن، وقالت:
"قل لأبيك إن الوردة ما زالت حية... لأنها نبتت من الانتظار."
رسالة القصة: عن الوفاء والانتظار والحب الأبدي
قصة على شاطئ الانتظار ليست مجرد حكاية عن فراقٍ بين حبيبين، بل هي رسالة عن الوفاء، عن أولئك الذين ينتظرون بلا وعد واضح، لكنهم يجدون في الانتظار معنى للحياة.
إنها تذكّرنا أن الانتظار ليس ضعفًا، بل هو إيمانٌ عميق بأن الحب الحقيقي يتجاوز المسافات والزمن والموت نفسه. تمامًا كما كان شاطئ البحر في القصة، صامتًا لكنه يحتضن كل شيء، فإن القلوب الصادقة تبقى قادرة على الحب حتى في الغياب.
من مدونة الدبي للحكاية
في مدونة الدبي للحكاية، نؤمن أن القصص ليست مجرد كلمات تُروى، بل نبضٌ يُسمع بين السطور. هذه القصة هي واحدة من أجمل القصص الرومانسية العربية التي تجمع بين الحنين والوفاء والإنسانية. ندعوك لقراءة المزيد من قصص الحب والانتظار التي تلامس القلب وتُشعل الأمل في النفوس.
