بقلم: فريق الدبي للحكاية
حين يلتقي الظلّ بالظلّ، تولد الحكاية
في مدينة يغمرها الغروب أكثر مما يغمرها النهار، كانت الأرواح تمشي كظلال تبحث عن دفء. هناك، عند أطراف مقهى صغير يطل على النهر، بدأت قصة رومانسية غير اعتيادية، قصة لم تبدأ بنظرة، بل بصمتٍ طويل بين شخصين لم يعرفا أن القدر كان يكتب لهما سطورًا من العشق الخفيّ.
"ليان" كانت فتاة تحمل في ملامحها هدوء الغروب، تعمل رسّامة في مرسم بسيط، تُلوّن العالم بما لا يراه الآخرون. أما "رائد"، فكان موسيقيًّا يهرب من صخب المدينة ليعزف على ضفة النهر مقطوعاته التي لا يسمعها أحد. كانا يمران بالمكان ذاته كل يوم، كظلّين متوازيين لا يلتقيان... حتى جمعت بينهما وردة حمراء سقطت من حقيبتها، وكانت هي البداية.
الوردة التي لم تذبُل
في يومٍ غائم، انحنى "رائد" ليلتقط الوردة من الأرض، رفعها برفق كأنها قلب من زجاج. حين مدّها إليها، نظرت إليه مبتسمة وقالت: "هذه ليست وردة عادية... إنها آخر ما تبقّى من لوحة لم تكتمل."
ومنذ تلك اللحظة، صار اللقاء عادةً. لم يتحدثا كثيرًا، بل تركا العيون تتكلم لغة الحب التي لا تحتاج ترجمة. كانت تلوّن لوحاتها بظله، وهو يعزف ألحانه على وقع خطواتها حين تمرّ من أمامه. هكذا تحوّلت الوردة من زهرة ساقطة إلى رمزٍ لعشقٍ يتشكّل بصمت.
صمت المدينة وضجيج القلوب
لم يكن أحد يعرف ما بينهما، حتى هما لم يجرؤا على تسميته "حبًا". لكن كلّ من رأى نظراتهما علم أن هناك ما هو أعمق من الكلام. كان رائد يقول في نفسه:
"هناك موسيقى لا تُعزف إلا حين يمرّ ظلّها من أمامي... وكأن قلبي صار آلة وترية لا تُصدر صوتها إلا لها."
ومع مرور الأيام، أصبحت الوردة ذابلة، لكنها بقيت محفوظة في دفتريهما؛ هو يحتفظ بها بين نوتاته، وهي تضعها في لوحة لم تكتمل بعد. كانت الوردة شاهدًا على أن الحب الحقيقي لا يحتاج إلى إعلان، بل إلى شعورٍ صادق يعيش بين ظلّين لا يجرؤان على الظهور في الضوء.
حين يأتي الرحيل دون وداع
ذات مساء، رحل "رائد" فجأة إلى مدينة أخرى، دون أن يترك سوى مظروف صغير على طاولتها في المقهى. فتحت الرسالة، فوجدت فيها النوتة الموسيقية التي كان يعزفها كل يوم، وتحتها كتب بخطٍ خجول:
"أخبري لوحتك أني أكمل اللحن كل مساء، حين يمرّ ظلك على ضوء القمر."
دمعت عيناها، لكنها لم تبكِ كثيرًا، لأن في قلبها يقينًا أن الحب الحقيقي لا يموت بالفراق، بل يتحوّل إلى حضورٍ خفيّ في الذاكرة.
عودة الضوء: الوردة الأخيرة تزهر من جديد
مرت الشهور، وعاد الربيع إلى المدينة. في أحد المعارض الفنية، عرضت "ليان" لوحة جديدة عنوانها "الوردة الأخيرة". كانت اللوحة تُظهر ظلّين متقابلين عند غروب النهر، تتوسطهما وردة تتوهج بلونٍ لا يشبه أي لون على الأرض.
وقف الناس أمامها مأخوذين بجمالها، لكنهم لم يعرفوا أن خلف الألوان كانت تختبئ قصة عشق بين ظلّين، عاشا على هامش الضوء، وكتبا بالسكوت ما لم يقدر الكلام على قوله.
وفي المساء، بينما كانت تغلق صالة العرض، سمعت لحنًا مألوفًا يعزف من بعيد. رفعت عينيها، فإذا بـ"رائد" يقف عند الباب يحمل وردة جديدة. اقترب منها وقال بابتسامة:
"ظننتُ أن الوردة الأخيرة ذبلت... لكنها ما زالت تزهر حين أراك."
في تلك اللحظة، أدركا أن الحب لا يموت، بل ينام في القلب حتى يستيقظ بالقدر. احتضنت الوردة بين كفيها، ونظرت إليه بعينين تملؤهما الدموع والضحك معًا. كانت النهاية سعيدة، لكنها لم تكن نهاية حقًا، بل بداية فصلٍ جديد من قصة عشق نضجت في صمت الظلال.
رسالة القصة ومعناها الإنساني
قصة الوردة الأخيرة ليست مجرد حكاية حب بين شخصين، بل هي مرآة لكل من أحبّ بصمت، وانتظر دون وعود. إنها تذكّرنا أن الضوء لا يصنع الجمال، بل الظلّ هو من يمنحه المعنى. في زمنٍ يركض فيه الجميع نحو الظهور، تبقى القصص الخفية هي الأكثر صدقًا، لأنها لا تحتاج جمهورًا لتزهر.
تعلّمنا القصة أن الحب لا يُقاس بالزمن، بل باللحظات التي يتوقف فيها العالم، وتبقى فقط نظرة أو وردة أو لحن.
من الدبي للحكاية: حيث يعيش الضوء في القلوب
في مدونة الدبي للحكاية نؤمن أن كل قصة تحمل بذرة من الضوء، حتى تلك التي وُلدت في العتمة. قصة الوردة الأخيرة: قصة عشق بين ظلّين هي واحدة من أجمل القصص الرومانسية العربية التي تفيض بالمشاعر الإنسانية الصادقة. ندعوك لقراءة المزيد من قصص الحب الملهمة التي تنسجها الأرواح قبل الأقلام، وتمنحنا الأمل بأن الحب الحقيقي لا يذبل أبدًا.
