مدونة الدبي للحكاية

مرحبًا بك في مدونة الدبي للحكاية، حيث تنبض الكلمات بالحياة وتتحول القصص إلى عوالم ساحرة تأخذك بعيدًا عن الواقع. نروي لك هنا أجمل القصص بأنواعها: من قصص الرعب المشوقة، والخيال المثير، إلى القصص الواقعية المؤثرة والحكايات التاريخية القديمة التي تحمل عبق الزمن. هدفنا أن نمنحك متعة القراءة، ودفء المشاعر، وإثارة الخيال في كل سطر تتابعه. في "الدبي للحكاية"... كل حكاية تنبض بروح راويها.

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

قصة جارٍ لم يعرف حرف «لا» يوماً

: قصص واقعية، قصص مؤثرة، حكايات عربية، دروس من الحياة، الإيجابية، العطاء، الكرم، قصص قصيرة، عبر الحياة، التنمية البشرية، القيم الإنسانية.

مقدمة

في عالمٍ يعجّ بالرفض، والأنانية، واللامبالاة، تظهر بين الحين والآخر شخصيات نادرة تضيء ظلام الحياة بمواقفها الصادقة. هذه الحكاية ليست من نسج الخيال، بل من صميم الواقع، عن جارٍ لم يعرف حرف "لا" يوماً، رجلٌ جعل من الإيثار مبدأً، ومن خدمة الآخرين أسلوب حياة.

البداية: الجار الذي لا يرفض طلبًا

في حيٍّ قديمٍ من أحياء المدينة، كان يعيش رجل يُدعى سالم. اشتهر بين الجيران بطيبة قلبه وابتسامته الدائمة. لم يكن يملك الكثير من المال، لكنه كان غنيًا بالرضا. مهما طُلب منه، سواء كان كبيرًا أم صغيرًا، لا يخرج من فمه سوى كلمة واحدة: "نعم".

كان الأطفال يحبونه، والكبار يعتمدون عليه، والغرباء يجدون فيه الصديق قبل أن يعرفوا اسمه. لم يعرف الرفض طريقًا إلى قلبه، حتى صار يُضرب به المثل في الكرم والمروءة.

حياة بسيطة وقلب عظيم

كان سالم يعيش في بيت صغير متواضع، لكنه مفتوح الأبواب دائمًا. لا تمرّ ساعة دون أن يطرق أحدهم بابه، يطلب خدمة أو مشورة أو حتى كوبًا من الشاي. ومع كل زيارة، كان سالم يستقبل الجميع بابتسامة وعبارة مألوفة: "أكيد، تفضل".

في أحد الأيام، جاءه أحد الجيران يطلب منه أن يساعده في إصلاح سيارته المعطلة، رغم أن سالم لم يكن خبيرًا بالميكانيكا. ومع ذلك، حمل أدواته، وذهب ليساعده، فقط لأنه لم يستطع قول "لا".

عطاء لا يعرف الحدود

لم يكن سالم يعطي الناس مما يفيض عنه، بل كان يعطيهم من حاجته. كان إذا رأى أحدًا محتاجًا، بادر بالعون دون انتظار طلب. كان يرى في مساعدة الآخرين سعادة تفوق أي مكسب مادي. وفي إحدى المرات، علم أن أحد الجيران لا يستطيع شراء الحطب للتدفئة في الشتاء، فقام بقطع بعضًا من أشجاره ليمنحه إياها.

وحين سُئل عن السبب قال ببساطة: "الخير إذا لم يُشارك، يموت في صاحبه". هذه العبارة وحدها كانت كفيلة بأن تُلخّص فلسفة حياته.

ثمن الطيبة

لكن الحياة لا تُكافئ دائمًا الطيبين بما يستحقون. بدأ البعض من الجيران يستغلون طيبة سالم، يطلبون ما لا حاجة لهم به، فقط لأنهم يعرفون أنه لن يرفض. فمرّةً يُطلب منه أن يحمل الأثقال، وأخرى أن يقف مكان أحدهم في العمل، وثالثة أن يقرضهم مالًا لن يعود.

ورغم كل هذا، لم يتغير. كان يبتسم ويقول: "الخير يعود ولو بعد حين". لكن في داخله، بدأ يشعر بثقل المسؤولية التي اختارها لنفسه دون أن يدرك.

اللحظة الفاصلة

ذات مساء، مرض سالم مرضًا شديدًا، ولم يعد قادرًا على الحركة. ولأول مرة، احتاج هو من يساعده. انتظر طرق الباب، انتظر أحدًا يقول له: "هل تحتاج شيئًا يا جار؟"، لكن لم يأتِ أحد. كان الجميع مشغولًا بحياتهم، وكأن الرجل الذي لم يقل "لا" يومًا، لم يكن بينهم أبدًا.

مرت الأيام، حتى علم بعض الجيران بأمره، فشعروا بالذنب. اجتمعوا حوله، وسألوه لماذا لم يطلب المساعدة؟ فأجابهم بصوت ضعيف: "لم أتعلم أن أطلب، كنت أظن أن الخير يعود تلقائيًا".

الندم والعبرة

تأثر الحي كله بما حدث. أدركوا أن الخير لا يدوم إن لم يُقابَل بخير، وأن العطاء لا يعني أن يتحمّل شخص واحد كل شيء. وبعد أيام، رحل سالم عن الدنيا، تاركًا وراءه دروسًا لا تُنسى.

أصبح الحي أكثر ترابطًا بعد رحيله، وأطلقوا اسمه على أحد الشوارع تكريمًا له. وصار الأطفال يتعلمون من قصته أن الطيبة لا تعني الضعف، بل أن تكون قادرًا على قول "لا" حين تكون "نعم" مؤذية لك.

الدروس المستفادة من القصة

  • الطيبة ليست في تلبية كل الطلبات، بل في معرفة متى تكون المساعدة حقًا.
  • الخير يحتاج إلى توازن، فلا تكن سببًا في ظلم نفسك باسم العطاء.
  • قول "لا" أحيانًا لا يعني القسوة، بل هو حماية للنفس والآخرين.
  • من لا يعرف كيف يطلب، غالبًا ما يكون أكثر الناس احتياجًا.
  • المجتمع المتعاون هو الذي يتبادل الخير، لا يضعه على عاتق شخص واحد.

قصة جارٍ لم يعرف حرف "لا" يوماً تذكّرنا أن الطيبة إن لم تُحَصّن بالحكمة، قد تتحول إلى وجعٍ صامت. فليكن عطاءنا موزونًا، وقلوبنا مفتوحة، وعقولنا يقِظة. فالعالم لا يحتاج إلى من يقول "نعم" دائمًا، بل إلى من يعرف متى يقولها بصدق، ومتى يصمت بحكمة.

هذه الحكاية ليست مجرد قصة جارٍ، بل مرآة لكل من وهب قلبه للعالم، دون أن يترك لنفسه شيئًا.

عن الكاتب

الدبي للحكاية

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

مدونة الدبي للحكاية