الكاتب: مدونة الدبي للحكاية | التصنيف: قصص واقعية ملهمة | عدد الكلمات: +1500 كلمة
البداية: قلب صغير يواجه الفقد
في زاوية قرية صغيرة تحيطها الجبال الخضراء، كان يعيش طفل يُدعى آدم، في الثامنة من عمره، لا يعرف من الحياة سوى ضحكات أمه ودفء يديها حين تعيده من اللعب في المساء. كانت الأم كل عالمه، وصوتها لحن الطفولة الذي لا يفتر، حتى جاء اليوم الذي انكسر فيه ذلك اللحن، وتبددت معه براءة الأيام.
في صباحٍ باردٍ من شتاءٍ قاسٍ، أصاب المرض قلب الأم، ولم يفلح الدواء في إنقاذها. غابت الأم، وبقي آدم في مواجهة فراغٍ لم يعرف له اسماً. كان يسأل الجيران: لماذا أخذ الله أمي؟، فلا يجد إجابة تُطفئ النار في صدره الصغير. ومنذ تلك اللحظة، بدأ الشك يتسلل إلى قلبه الطاهر، فتزعزع إيمانه، وتلاشت صلاته، وأصبح يتهامس في الليل: “إن كان الله يحبني، لماذا أخذ أحب الناس إلي؟”
من اليأس إلى الأمل: أول إشراقة من النور
مرّت الأيام، والطفل يزداد صمتاً وعزلة. لكنه ذات مساءٍ، وبينما كان جالساً على عتبة بيته يراقب الغروب، اقترب منه شيخ مسن من أهل القرية، كان الناس يلقبونه بـ الشيخ نور لحكمته وسكونه. جلس الشيخ بجانبه، وقال له بصوتٍ دافئ:
أتعلم يا بني؟ الله لا يأخذ إلا ليعطي، لكنه أحياناً يؤخر العطاء حتى ينضج القلب ليقدّر النعمة.
رفع آدم نظره المليء بالدموع وسأل: لكنني لم أعد أؤمن يا شيخ، فقد أخذ الله أمي. فابتسم الشيخ وقال:
وهل تظن أن أمك غابت عنك؟ هي الآن في رحمة الله، في مكانٍ لا حزن فيه ولا مرض، وإن أحببتها بصدق، فابقَ على الطريق الذي يُوصلك إليها يوماً.
كانت تلك الكلمات كالنور الذي تسلل إلى ظلمة قلبه. شعر بشيء جديد، كأنه دفء يشعل داخله من جديد، وتساءل: هل يمكن للإيمان أن يعود بعد أن يرحل؟ ومن هنا بدأت رحلته نحو الإيمان من جديد.
الرحلة نحو الإيمان: حين يصبح الحزن طريقًا للنور
قرر آدم أن يعود إلى المسجد بعد غياب طويل. في البداية، كان يجلس في آخر الصفوف، يستمع فقط دون أن يصلي، كأنه يبحث عن معنى ضائع بين الحروف. وفي إحدى الخطب، سمع الإمام يقول:
من أحبّ شيئًا لله، لم يفقده أبداً، لأن الله لا يضيع المحبين.
فشعر كأن الجملة كُتبت له وحده. عاد إلى منزله تلك الليلة، فتح المصحف القديم الذي كانت أمه تقرأ منه كل مساء، وأخذ يمرّر أصابعه الصغيرة على الصفحات، حتى توقفت عيناه عند قوله تعالى:
“فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا”.
كانت تلك الآية المفتاح الذي أعاد بناء إيمانه. بكى طويلاً، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال بصوتٍ خافت: يا رب، إن كنت أخذت أمي، فلا تتركني وحدي.
ومنذ تلك الليلة، بدأ الطفل ينهض فجرًا ليصلي، ويقرأ كل يوم صفحة من القرآن، حتى أصبح المسجد بيته الثاني، وأصبح صوته يرتفع في الدعاء بعد كل صلاة. لم يعد يرى في فقدان أمه نهاية، بل بداية لمعنى جديد للحب والإيمان.
نضوج القلب: دروس الإيمان بعد الفقد
مرت السنوات، وكبر الطفل الصغير ليصبح شابًا يحمل في قلبه نورًا وطمأنينة. لم يعد ذلك الطفل الذي يسأل لماذا؟، بل أصبح من يُجيب الآخرين على أسئلتهم. كان يزور الأطفال الأيتام في القرية، يروي لهم قصته، ويخبرهم أن الله لا يترك أحدًا، وأن الإيمان لا يُبنى في اللحظات السهلة، بل في أصعب اللحظات التي نكاد نفقد فيها الأمل.
كان يقول لهم دائمًا:
كل فقدٍ هو بابٌ إلى معرفة الله، وكل دمعةٍ صادقةٍ هي دعاء، وكل صبرٍ جميلٍ هو طريقٌ إلى النور.
أصبحت قصته مصدر إلهامٍ لكل من عرفه، وصار يُعرف بين الناس بـ إمام الصبر، ذلك الشاب الذي أعاد بناء إيمانه من رماد الخسارة.
من الألم يولد الإيمان
في آخر يومٍ من حياته، كتب آدم في مذكراته جملةً واحدة:
حين فقدت أمي، كنت أظن أنني فقدت كل شيء، لكنني أدركت لاحقًا أن الله لم يأخذها ليؤلمني، بل ليوقظ قلبي.
هكذا كانت قصة طفل صغير يعيد بناء إيمانه بعد خسارة كبيرة، ليست مجرد حكاية عن الحزن، بل درس خالد في الصبر، والإيمان، والأمل بعد الفقد. علمتنا أن الخسارة ليست نهاية الطريق، بل هي دعوة من الله لنراه من جديد، بعينٍ أكثر طهراً وإيماناً.
