مدونة الدبي للحكاية

مرحبًا بك في مدونة الدبي للحكاية، حيث تنبض الكلمات بالحياة وتتحول القصص إلى عوالم ساحرة تأخذك بعيدًا عن الواقع. نروي لك هنا أجمل القصص بأنواعها: من قصص الرعب المشوقة، والخيال المثير، إلى القصص الواقعية المؤثرة والحكايات التاريخية القديمة التي تحمل عبق الزمن. هدفنا أن نمنحك متعة القراءة، ودفء المشاعر، وإثارة الخيال في كل سطر تتابعه. في "الدبي للحكاية"... كل حكاية تنبض بروح راويها.

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

قصة أرزاق الحكمة في وادي السراب

قصة أرزاق الحكمة في وادي السراب | الدبي للحكاية

في زمنٍ بعيد، لم تذكره كتب التاريخ، كان هناك وادٍ يُعرف باسم وادي السراب، حيث يختلط الواقع بالوهم، والسراب بالحقيقة. كان الناس يظنون أن في أعماقه كنوزًا لا تُحصى، وأن من يصل إلى قلبه سيُغدق عليه الرزق بلا حساب. غير أن القليلين فقط تجرّأوا على دخوله، لأن الطريق إليه لم يكن محفوفًا بالخطر فحسب، بل بالغموض الذي لا يرحم الضعفاء في الإيمان والعقل.

الرحلة تبدأ بحلم

في إحدى القرى القريبة من الوادي، كان يعيش رجل يُدعى سالم بن ناصر، فلاح بسيط يزرع أرضًا قليلة الماء. لكنه كان يحمل في قلبه طموحًا لا يُروى، وشغفًا بالحكمة أكثر من الذهب. في ليلةٍ من الليالي، رأى في منامه شيخًا يقول له:

"يا سالم، إن أردت رزقك الحق، فاتبع طريق السراب، فهناك تُختبر النية قبل الجيب."
استيقظ سالم مضطربًا، بين الخوف والدهشة. لكنه شعر أن الحلم لم يكن مجرد خيال، بل دعوة من نوعٍ آخر. ومع أول ضوء للفجر، ودّع أسرته، وحمل عصاه، ومضى نحو الوادي الذي يقال إنه يبتلع الطامعين ويُهدي الصادقين.

وادي السراب... بين الحقيقة والوهم

حين دخل سالم حدود الوادي، تغيّر كل شيء. الهواء أصبح أثقل، والأرض تعكس ظلالًا لا تشبهه. رأى في الأفق قصورًا من نور، وعيون ماء تجري من لا مكان. كلما اقترب منها، تلاشت كأنها لم تكن. أدرك حينها أن السراب ليس ماءً ولا mirage بصريًا، بل امتحانًا للنظر الداخلي.

وفي عمق الوادي، سمع أصواتًا تتحدث بلا فم، تهمس له:

"هل جئت لتطلب المال أم المعنى؟"
تردد سالم في الإجابة، لكنه قال بصوتٍ ثابت: "جئت أطلب الحكمة التي تفتح أبواب الرزق." فانشقّت الأرض أمامه عن طريقٍ من الحجارة البيضاء، تؤدي إلى شجرة عجيبة لم ير مثلها من قبل.

شجرة الأرزاق

اقترب سالم من الشجرة، فإذا بها تثمر ثمارًا مختلفة الشكل واللون، كأن كل ثمرة تمثل رزقًا من نوعٍ خاص. مدّ يده ليقطف إحداها، فسمع صوتًا يقول:

"كل رزقٍ هنا بثمن نيةٍ خالصة، فهل نيتك نقية؟"
توقف لحظة يفكر، ثم تراجع، وجلس تحت الشجرة يتأمل. مرّت عليه ساعات كأنها أيام، حتى أدرك أن الرزق الحقيقي ليس في الثمر، بل في الوعي بمعنى الرزق. عندها، تحوّلت الشجرة أمامه إلى بابٍ من نور.

لقاء الحكيم

دخل سالم من الباب ليجد نفسه في وادٍ آخر، أكثر سكونًا وجمالًا. وهناك جلس شيخ وقور على صخرة، يراقب الأفق بابتسامة هادئة. قال له الشيخ:

"يا سالم، لقد ظننت أن وادي السراب مكان للكنوز، لكنه في الحقيقة مرآة للنفوس."
جلس سالم إلى جواره، وسأله: "إذن ما هو الرزق يا سيدي؟" فأجابه الحكيم:
"الرزق هو ما يُقيم روحك قبل أن يُشبع جسدك، وما يُنير عقلك قبل أن يُملأ كيسك. هناك من يملك الذهب لكنه فقير في الفكر، وهناك من يملك الفكرة التي تفتح له أبواب العالم."

العودة من الوادي

خرج سالم من وادي السراب بعد سبعة أيام، مختلفًا كليًا عما كان. لم يحمل كنزًا في يده، لكنه عاد بكنزٍ في قلبه. كان يرى الناس بعينٍ جديدة، ويفهم أن أرزاق الحكمة لا تُقاس بالكم بل بالكيف، وأن الرزق ليس دائمًا مالًا، بل قد يكون علمًا، صبرًا، أو إنسانًا يغيّر مسار حياتك.

دروس من وادي السراب

  • النية الصادقة تفتح أبواب الرزق الخفي.
  • الوهم قد يقودك إلى الحقيقة إن كنت تبحث بصدق.
  • الثراء الحقيقي يبدأ من الداخل، من صفاء القلب لا امتلاء الجيب.
  • الطريق إلى الحكمة لا يُرى بالعين، بل بالبصيرة.
  • كل امتحان في الحياة يخفي خلفه عطية لا تراها إلا بعد الصبر.

عاد سالم إلى قريته، لكنه لم يعد فلاحًا بسيطًا، بل زارعًا للمعرفة. بدأ يُعلّم الأطفال كيف يرون في البذور حكمة الخالق، وفي المطر عطاءً، وفي الصبر رزقًا. صار الناس يقولون عنه: "ذاك الرجل الذي عاد من وادي السراب يحمل أرزاق الحكمة."

ومنذ ذلك اليوم، لم يعد الوادي مكانًا مخيفًا، بل مزارًا للباحثين عن البصيرة. فمن دخله بنيّة نقية، خرج منه أغنى من الملوك، ومن دخله بطمعٍ، خرج خالي اليدين.


💠 الدبي للحكاية – حيث تولد القصص من المعنى، وتُروى لتزرع نورًا في القلوب. دعنا نواصل نسج الحكايات التي تُلهم وتوقظ فينا إنسانيةً نُسيت بين زحام الأيام.

عن الكاتب

الدبي للحكاية

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

مدونة الدبي للحكاية