تصنيف: قصص واقعية، درامية، عاطفية، مؤثرة | الكاتب: مدونة الدبي للحكاية
مقدمة
في بعض الأحيان، لا يحتاج الماضي إلى دعوة ليعود، يكفي أن تمرّ من مكانٍ قديم، أو أن تشمّ رائحة نسيتها منذ سنين، لتجد نفسك فجأة في حضن الذكريات، وكأنّ الزمن عاد ليحاورك وجهًا لوجه. قصة "زقاق الذكريات" ليست حكاية عن الحنين فقط، بل عن المواجهة، عن أولئك الذين اضطروا للرحيل ثم اكتشفوا أن شيئًا فيهم بقي عالقًا بين جدران الحيّ القديم.
الفصل الأول: العودة غير المتوقعة
في مساءٍ رماديّ، عاد عمر إلى المدينة التي وُلد فيها بعد غياب عشرين عامًا. كان يحمل حقيبة صغيرة وكثيرًا من الصمت. لم يكن يخطط للزيارة، لكنّ القدر ساقه إليها حين طُلب منه إنجاز مهمة عمل في تلك المنطقة القديمة التي كانت في يومٍ من الأيام مسرح طفولته.
حين اقترب من الزقاق، شعر وكأنّ قلبه يسبق خطواته. الجدران ما زالت تحتفظ بتلك الشقوق نفسها، والنوافذ الخشبية ما زالت تنظر إلى المارة بفضول، حتى رائحة الخبز الساخن من المخبز في أول الزاوية ما زالت كما كانت. وحده هو الذي تغيّر. أو ربما، كما شعر في تلك اللحظة، وحده الذي ضاع بين الأمس واليوم.
الفصل الثاني: بيت الطفولة الذي ينتظر
توقف عمر أمام البيت الذي نشأ فيه. الباب العتيق كان قد تقشّر طلاءه، لكن النقوش التي كان يرسمها مع أصدقائه لا تزال هناك. لم يصدق أن قلبه بدأ ينبض بتلك القوة، كما لو أن الماضي كلّه قرر أن يستيقظ في لحظة واحدة.
فتح الباب بصوتٍ متهالك، ودخل إلى باحةٍ صغيرة تفوح منها رائحة الياسمين اليابس. في الزاوية، كانت هناك الشجرة التي زرعها مع والده ما تزال واقفة، رغم الجفاف والإهمال. جلس تحتها وأغمض عينيه. كل شيء في المكان كان يهمس له: "مرحبًا بعودتك، وإن تأخرت."
الفصل الثالث: لقاء غير متوقع في الزقاق
وبينما كان يتأمل المكان، سمع صوت خطوات خلفه. التفت فإذا بامرأة في منتصف الأربعين تمسك بسلة خضار وتنظر إليه بدهشة. احتاج بضع ثوانٍ ليدرك أن هذه هي ليلى، صديقة طفولته التي لم يرها منذ ودّعها ذات مساءٍ قبل رحيله.
كان اللقاء صامتًا في البداية، فالكلمات خجِلت من الخروج. اكتفى الاثنان بابتسامة خفيفة، ثم جلسا على الدرج الحجري الذي كان يجمعهما كل مساء قبل عشرين عامًا. قالت ليلى بصوتٍ مبحوح: "ظننت أنك نسيت هذا الزقاق." فأجاب بابتسامة حزينة: "لم أنسه، لكنه نسيني."
الفصل الرابع: حين يتحدث الماضي
تحدّثا طويلًا، عن الأصدقاء الذين تفرّقوا، عن البيوت التي تغيرت، وعن الزمن الذي مضى سريعًا. أخبرها أنه عاش في الغربة باحثًا عن معنى النجاح، لكنه لم يجد راحته أبدًا. قالت له بهدوء: "ربما لأنك تركت نفسك هنا، بين الجدران القديمة."
كانت كلماتها بسيطة لكنها اخترقت قلبه. في تلك اللحظة أدرك أن النجاح لا يُقاس بما نملك، بل بما لا نفقد من إنسانيتنا. تذكّر والدته التي كانت تنتظره عند الباب كل مساء، وتذكّر وعده لها أن يعود، وعدًا نسيه مع مرور السنين.
الفصل الخامس: القرار
في صباح اليوم التالي، عاد عمر إلى الزقاق حاملاً فنجان قهوة من المقهى القديم. جلس على مقعدٍ خشبي وبدأ يكتب ملاحظات على دفتره. لم يكن يعلم أنه بدأ يكتب قصته الجديدة — لا قصة العمل، بل قصة العودة إلى الذات.
قرر أن يرمّم بيت العائلة. لم يكن الهدف أن يسكنه، بل أن يعيد إليه الحياة. أراد أن يجعل منه مكتبة صغيرة في الحيّ، مكانًا يجتمع فيه الأطفال ليقرؤوا ويتعلموا كيف يصنعون أحلامهم دون أن يرحلوا بحثًا عنها.
الفصل السادس: حين يصبح الزقاق ذاكرة حيّة
بعد شهورٍ من العمل، صار زقاق الذكريات مكانًا مختلفًا. لم يعد مجرد طريقٍ ضيق بين البيوت، بل أصبح فضاءً للقصص. الجدران التي كانت حزينة، امتلأت برسومات الأطفال، والباب القديم صار يفتح كل يومٍ على ضحكاتٍ جديدة.
ليلى كانت تزوره بين الحين والآخر، تساعده في ترتيب الكتب وتغليف القصص. وفي كل زيارةٍ، كانت تشعر أن الماضي الذي كان يثقل صدريهما صار الآن جسرًا نحو حياةٍ أكثر صفاء.
الفصل السابع: الدرس الأخير
في أحد الأيام، جاء طفل صغير وسأله: "عمو عمر، ليش سميت المكان زقاق الذكريات؟" ابتسم عمر وقال: "لأن الذكريات مثل الزقاق، تضيق أحيانًا، لكنها توصلك دائمًا إلى البيت."
كانت تلك الجملة كخاتمة روايةٍ لم تُكتب بعد. فالماضي لم يعد عبئًا عليه، بل صار مرآة يرى فيها نفسه بوضوح. تعلم أن مواجهة الماضي لا تقتله، بل تحرره.
“زقاق الذكريات” ليست مجرد حكاية عن رجل عاد إلى مكانه القديم، بل هي تذكير بأن كلٍّ منا يحمل في داخله زقاقًا يشبهه — مكانًا صغيرًا في القلب لا يشيخ، مهما مرّت السنوات. العودة إليه ليست ضعفًا، بل تصالحًا مع ما كنّا، وما صرنا إليه.
فالماضي لا يعود ليؤلمنا، بل ليذكّرنا بأننا كنّا يومًا نبتسم من دون سبب، وأن في داخلنا دائمًا مساحة للبدء من جديد.
